من حنفاء الجاهلية
صفحة 1 من اصل 1
من حنفاء الجاهلية
من حنفاء الجاهلية
كان جمع من عقلاء العرب وحكمائها غير موافقين لعمرو بن لحي فيما ابتدع من الدين ولا متبعين ما شرع من عبادة الأصنام، بل كانوا مخالفين له، وتعبّدوا بما ترتضيه العقول وتظاهره الشرائع المقررة وهم أفراد من القبائل المتفرقة، ومن هؤلاء قسّ بن ساعِدة الإِيادي، أحكم حكماء العرب، وأول من آمن بالبعث من أهل الجاهلية، وأول من كتب من فلان إلى فلان، وأوّل من قال أمّا بعد، وأوّل من خطب متوكئا على عصا، وبه يضرب المثل في الخطابة و البلاغة، ومن مشهور خطبه :" أيّها الناس اسمعوا وعُوا، فإذا وعيتُم فانتفعوا، إنه مَن عاشَ مات، ومَن مات فات، وكلُّ ما هو آتٍ آت.
أمّا بعد: فإنّ في السماء لخَبَرا، وإن في الأرض لعبَرا، مِهادٌ موضوع، وسَقْفٌ مرفوع، ونجوم تَمُور، وبِحارٌ لا تَغُور، وليل داج، وسماء ذات أبراج، أقسم بالله قُسٌّ قَسَمًا حتْما، لا كاذبا فيه ولا آثِما، لئِن كان في الأرض رِضًا ليَكونَنَّ بعده سخط، وإن لله ـ عزت قدرته ـ دينا هو أحبُّ إليه مِنْ دينكم الذي أنتم عليه، وقد أتاكم أوانه، ولحقتكم مدته، ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أَرَضُوا بالمُقام فأقاموا، أَمْ تُرِكوا فناموا؟ ثم أنشد:
في الذاهِبِينَ مِنَ الأوَّليــ * نَ مِنَ القُرونِ لنا بصائرْ
لمَّــا رأيتُ مَــوَارِدًا * للمـوتِ ليس لها مَصَادِرْ
ورأيتُ قومِـيَ نحوَهـا * يَسْعى الأصَاغرُ والأكابِرْ
لا يَرجـع المـاضي إلَيَّ * ولا مـنَ الباقين غابـِرْ
أيقَنـْتُ أنِّـي لا محــا * لَةَ حيثُ صار القومُ صائِرْ...".
[بلوغ الأرب لمحمود شكري الألوسي: 2/245]
كان جمع من عقلاء العرب وحكمائها غير موافقين لعمرو بن لحي فيما ابتدع من الدين ولا متبعين ما شرع من عبادة الأصنام، بل كانوا مخالفين له، وتعبّدوا بما ترتضيه العقول وتظاهره الشرائع المقررة وهم أفراد من القبائل المتفرقة، ومن هؤلاء قسّ بن ساعِدة الإِيادي، أحكم حكماء العرب، وأول من آمن بالبعث من أهل الجاهلية، وأول من كتب من فلان إلى فلان، وأوّل من قال أمّا بعد، وأوّل من خطب متوكئا على عصا، وبه يضرب المثل في الخطابة و البلاغة، ومن مشهور خطبه :" أيّها الناس اسمعوا وعُوا، فإذا وعيتُم فانتفعوا، إنه مَن عاشَ مات، ومَن مات فات، وكلُّ ما هو آتٍ آت.
أمّا بعد: فإنّ في السماء لخَبَرا، وإن في الأرض لعبَرا، مِهادٌ موضوع، وسَقْفٌ مرفوع، ونجوم تَمُور، وبِحارٌ لا تَغُور، وليل داج، وسماء ذات أبراج، أقسم بالله قُسٌّ قَسَمًا حتْما، لا كاذبا فيه ولا آثِما، لئِن كان في الأرض رِضًا ليَكونَنَّ بعده سخط، وإن لله ـ عزت قدرته ـ دينا هو أحبُّ إليه مِنْ دينكم الذي أنتم عليه، وقد أتاكم أوانه، ولحقتكم مدته، ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أَرَضُوا بالمُقام فأقاموا، أَمْ تُرِكوا فناموا؟ ثم أنشد:
في الذاهِبِينَ مِنَ الأوَّليــ * نَ مِنَ القُرونِ لنا بصائرْ
لمَّــا رأيتُ مَــوَارِدًا * للمـوتِ ليس لها مَصَادِرْ
ورأيتُ قومِـيَ نحوَهـا * يَسْعى الأصَاغرُ والأكابِرْ
لا يَرجـع المـاضي إلَيَّ * ولا مـنَ الباقين غابـِرْ
أيقَنـْتُ أنِّـي لا محــا * لَةَ حيثُ صار القومُ صائِرْ...".
[بلوغ الأرب لمحمود شكري الألوسي: 2/245]
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى